Input your search keywords and press "Enter".
September 21, 2024

الرجل الذي لا أعرف اسمه

392 Views

لماذا أحكي لكم عن الرجل الذي لا أعرف اسمه؟ أنا في الحقيقة لا أعرف لماذا يشغلني هذا الرجل لهذه الدرجة، ربما لأن حياتي صارت خالية من التفاصيل الكبيرة فقررت أن اضع عدسة مكبرة على كل تفصيلة شاردة واحكي عنها قصة، وربما لأن كل إنسان من حقه أن يحكي آخر قصته..ربما هو نوع من الفضفضة والونس والبعد عن أحداث هذا العالم المجنون..لذا سوف أحكي لكم.

هو رجل عجوز مرابط في كشك الحراسة الخاص بالفيلا المجاورة لمنزلي، كل يوم في الحادية عشر مساءا يحول الراديو على إذاعة الأغاني حيث ميعاد حفلة أم كلثوم، يتسلل الصوت إلى غرفتي ويتشابك مع صوت الراديو الخاص بي، إنه نوع من الونس الغريب وغير المعتاد بدأت في التعود عليه منذ وصولي إلى هذا البيت، أنا اشعر دائما بالونس والصحبة حينما يشاركني أحد الاستماع إلى الست، لذا فهذا الرجل لا يعرف كم الامتنان الذي أحمله له كل يوم في الحادية عشر مساءا. وبعد انتهاء الحفلة أغلق الراديو واظل مستيقظة حتى استمع للراديو الخاص به حيث فقرة الموسيقار عبد الوهاب، شيء غير مفهوم يحدث بداخلي عند امتزاج صوت عبد الوهاب مع سكون الليل وتسللهم بخفة  مع نسمات الليل إلى غرفتي، ربما هو شيء من الطبطبة والربت على القلب في الليالي التي تشتد فيها الوحدة وتغلبني المخاوف والأفكار… لكن فلنرجع إلى الرجل الذي لا أعرف اسمه.

للمزيد: حكايات تركتها تمر

كل يوم يجلس العجوز على الرصيف المواجه لكشك الحراسة بينما يضع مكانه جهاز راديو قديم، منذ بداية النهار وحتى الحادية عشر مساءا يكون الراديو مضبوطا على إذاعة القرآن الكريم.. قبل الحفلة بدقائق يحضر كوب من الشاي ثم يبدأ في تعديل مؤشر الراديو حتى يستمع إلى المقدمة المعتادة، أنا أيضا عندما أكون في المنزل أفعل ذلك تماما.

لا أعرف سر الرغبة التي تدفعني لكي أتحدث معه، ولا أعرف سر الخوف الذي يجعلني اتراجع. انا غير معتادة على الحديث مع الغرباء، واحتاج إلى وقت طويل من أجل الألفة والونس ومن ثم نصبح أصدقاء، لكن ما هو المدخل المناسب للحديث مع الرجل الذي لا أعرف اسمه؟

كل يوم أمر عليه أحاول أن اتشجع وألقي السلام واعرفه بنفسي واشكره على مشاركتي السهرة وأخبره أنه صار مصدر الونس الوحيد في حياتي الصاخبة بالعمل، ربما ترددي  من الحديث  يبنعث من خوفي أن يخبرني بشيء يجعلني افقد الهالة التي ارسمها حولها، فهناك أشياء تفقد هالتها بمجرد أن ينكشف زيف خيالنا حولها.. ربما هذا ما يجعلني أمر دون أن انظر إليه.

الرجل الذي لا أعرف اسمه هو حارس الفيلا والشارع، وهو عجوز بدرجة لا تمكنه من حراسة خياله، لكن شيء ما يجعله قادرا على الحفاظ على الأمن في هذا الشارع الذي يشكل ممر هادئ بين شارعين رئيسيين. هذا الشارع مثالي لارتكاب جريمة كاملة نظرا لأنه يشكل ظهر مبني مهجور والجهة الأخرى سور الفيلا وبالتالي فهو عادة يكون مكان جيد للقاء بعض المراهقين والمراهقات لأسباب كثر.

لكن بالرغم من أن الشارع يدعو لمخاطر متعددة إلا أن وجود هذا الرجل العجوز يضمن أن لا يعبث أحد بأي شيء يخص أمان الآخرين، وكأن هناك اتفاقا ضمنيا بينه وبين أي شخص قرر استغلال الشارع الهادئ بأن تفعل ما تشاء بشرط أن تترك إيقاع الممر كما هو لا يوحي بأن هناك شيء يحدث.

أنا ايضا استغل هذا الشارع إذا عدت إلى البيت متأخرة عن الحادية عشر، وبينما تغني الست ا انتهز هذه المسافة وادندن معها وبداخلي شعور غريب بالحرية والهدوء.

أنا ما زلت أخاف أن أتحدث معه، ربما يكون الخوف أيضا من بعث من  المصداقة المحتملة والتي سوف تجعلني أجلس معه يوميا في الشارع الهادئ والاستماع إلى الست، وربما أخشى أن يقول لي أنه يفعل ذلك بشكل روتيني ولا يوجد فلسفة في الأمر. هناك الكثير من الاحتمالات، لكن ما اعرفه حتى الآن أن الرجل الذي لا أعرف اسمه يصنع لي معروفا يوميا، ويمنحني من النسمات الهادئة قليل من الألفة التي تساعدني على استكمال الأيام، وانه قادر على حفظ الوقت والإيقاع والبطء في الشارع الهادئ.. واني أخبرتكم بما أريد أن اخبركم عنه حتى الآن.

للمزيد: ربع متر نجيلة