Input your search keywords and press "Enter".
December 18, 2021

أعرف طريقاً للنجاة.. لأني هزمت مراراً

336 Views

وأنا أيضاً أعرف طريقاً للنجاة..أستطيع الآن أن أخبركم بسهولة أني أدركه جيداً، الأمر لا علاقة له بقوة أو بحنكة اكتسبتها مع الوقت، لا .. بل أشياء أكبر من ذلك كله.

أعرف طريقي للنجاة لأني فعلتها مراراً، لأني تمرست على الهزيمة، ومن يتمرس على الهزيمة يعرف دائماً طريقاً للنجاة في كل مرة. من بين حطام معاركي، من بين الدخان المشتعل في قلبي، من بين طعم الخذلان الذي اعتدته أستطيع دائماً أن أجد ممر ضئيل أعبر به إلى أرض أخرى..ربما إلى هزائم أخرى..لا يهم.

سوف أتنازل عن أشيائي المفضلة

أعرف طريقي للنجاة لأني أدركت كثيراً معنى أن تفقد أشياء محببة إليك، فتعودت أن أترك ما أحب قبل أن أمر بالفقد مرة أخرى. أن أتنازل عن أشيائي المفضلة فأكتسب قوة التخلي ..الأمر أشبه بأن أسير بقلب عاري تحت المطر وأقول للحياة ها أنا ذا فهات ما عندك فلن يستجدي قلبي الدفئ ابداً.  كأن أعطي أخر قطعة نقود أملكها لطفل متسول ليس حباً الخير ولكن رغبة في حرق المراكب الأخيرة، رغبة في حرق كل الزاد الذي أحمله للطريق، في أن أتحرر من كل الأشياء التي أخاف الوقوع فيها بالوقوع فيها حتى النهاية، أن أقول يا حياة ها أنا ذا مرة أخرى بلا شيء يطفئ الوحشة في قلبي.. فما الذي يخيف بعد ذلك؟؟!!.

في أحلامي أراني أغرق دائماً، لكن في اللحظة الأخيرة، في وقت تكون روحي فيه على وشك النهاية أنجو، أخرج رأسي من الماء فأنجو. لم يكن بجانبي قشة – من المدهش أن لا تمتلك شيء صالح لإنقاذك في البر أو البحر- كل ما في الأمر أني أركل الماء بقدمي، أسدد له الطعنات بيدي فأنجو.. وفي كل مرة أحلم أني أغرق أعرف أني سأجد طريقاً للنجاة في الثانية الأخيرة دائماً.

الحياة كمدرس قديم وقاسي

أعرف طريقاً للنجاة ليس تمسكاً بالأمل ولكن لأني لا أملك أي شىء سوى تكملة المسير، أعترف أن الحياة أعطتني دروساً قاسية، إن الحياة أشبه بمدرس قديم يقول دائماً أنه لا سبيل لتأديبك سوى أن يُبرحك ضرباً على وجهك وقدمك حتى يدوي صراخك وتقول أنك لن تفعلها ثانية، هكذا فعلت معي الحياة وحقاً أنا أحاول أن لا أتعرض للعقاب مرة أخرى.

عرفت طريقاً للنجاة بعد أن تعلمت الدرس جيداً، بعدما علمت أن الأمور لا تسير دائماً على حسب رغبتي فيها، بأن كل الأشياء ترحل.

علمتني الحياة بأن شرط الحب الأول هو فتح الباب للأحباب للرحيل متى شاءوا ذلك، دون محاولة لإقناعهم بالبقاء، إن خطأنا الدائم أن نظن أن التواجد الدائم شرط الحب، وذلك لأن الرحيل يعطي له عمقاً أكبر وأملاً أكبر في أن لا يتحول إلى استنزاف وكراهية، إن رغبتنا في الاحتفاظ بأي شيء ليست سوى خروج عن الدرس وأنا قلت للحياة أني تعلمت الدرس ولن أفعلها أبداً، بعدها سرت في الطريق كعابر على كل الأحبة وعلى كل الأحلام ألقي على الجميع ابتسامة وسلام وأرحل خوفاً من العقاب، فقد أتأكد أني حاولت أن أبقي كل شيء عزيز في مكان آمن.

عرفت طريقي للنجاة كمتصوف زاهد، كُشف عنه حجاب الحقيقة فعرف مدى الألم الذي سوف يصيبه ومن بعدها لم يعد يتألم.. عرفت وقتها الطريق والطريقة.

عرفت طريقاً للنجاة كطبيب يعرف الداء جيداً ويدرك أن البكاء والصراخ ومحاولة قول أن القلب يشعر بالألم لن تفيد فكف عن البكاء وغاب في الصمت. صرت أصاحب ندوبي وأرتدي فوقها معطفي الشتوي لأتأكد أن لا أحد سوف يلحظ ذلك أبداً. ثم أن المعاطف الشتوية تعطي للألم شكلاً أنيقاً ومحبباً.

تخصلت من الذكرى

أعرف طريقاً للنجاة لأني تخليت عن نظراتي الفلسفية المؤلمة. وتخليت عن مثاليتي الزائفة والرغبة في الكمال.. هل أقول لكم سراً؟ بالأمس تخلصت من ذكرى أحملها في ميداليتي الصديقة، احتفظت بها واعتدت أن أنظر إليها كل يوم لأذكر نفسي أني تألمت وأني بعدها وجدت طريقاً للنجاة، لكني كل يوم كنت أتذكر مرارة الألم لذا رميت الذكرى في نفس الطريق وصارت ميداليتي خالية إلا من بعض الأيقونات الملونة المحببة إلي.

هل أقول لكم سراً آخر؟ بالأمس تمنيت لو كنت أحد غير ذلك، من هؤلاء الذين يستطيعون أن يتكلمون بصدق عن أوجاعهم، الذين يبكون ولا يحولون وجعهم لنكتة ساخرة. أردت لو أجلس على الطريق وأبكي فيشاركني ألمي أي عابر، أو أية امرأة عجوز، أو قطة لا تجد من يشاركها البكاء مثلي..لكني في النهاية لم أستطع.

أعرف طريقاً للنجاة لأني مازلت أحلم. فقدت اشياء كثيرة إلا قدرتي على الحلم. مازلت أحلم بمساحة أوسع لحكايتي، ليوم أستطيع أن أقول كل ما أريد قوله دون مواربة، بيوم اتحرر فيه من عقدي المزمنة، من حقيبتي الممتلئة بالأيام الثقيلة. يوم ما سأكون في مكان يتكلم الجميع فيه لغة أفهمها، لغة واضحة، لن نحتاج أن نجعل للكلمة معنيين، سوف تنكسر القواعد الجامدة، سوف يتحرر القلب، سوف تنطق فيه بحرية دون حسابات شاقة ولا خوف محيط فما داعي الخوف طالما أن هناك طريقاً للنجاة؟!

اقرأ أيضا: لو كان رفيق القلب هو نفسه رفيق الرحلة؟