خلونا النهاردة نتكلم عن علاقتنا بتفاصيل التاريخ اللي لازم نرجع نبص لها من تاني. بس ممكن أحكي لكم حكاية شخصية الأول. من حوالي 15 سنة في أول أسبوع دراسة ليا في قسم الآثار كان عندي شغف رهيب بالتاريخ. ومرة خرجت من المحاضرة وسألت استاذنا الدكتور اللى مش هقول اسمه لأن اي حد درس معانا هيتوقعه. سؤالي كان عن الملك توت عنخ آمون صاحب أثقل قناع ذهبي في العالم، وكان وقتها في جدل كبير حوالين الأشعة اللي هيتم عملها على المومياء الخاصة بيه. وقتها قلت للدكتور هو أنا كدارسة للتاريخ إزاي أفرق بين مجد الملك وبين مجد الناس. يعني هل لأن توت عنخ أمون كان بكل الأبهة دي أقدر أحكم على إن مصر في الوقت ده كانت بتشهد إزدهار حقيقي ولا كانت منهوبة. وقتها جاوبني بأربع كلمات وقال “آه آه كانوا أغنيا ” وتركني في إحباطي وحدي.. المهم و لأسباب كثير حنبقى نحكيها بعدين أنا بطلت أدور أو أسال.
التاريخ برة التابوت
لكن نيجي هنا بقى للي أنا كنت بدور عليه في الأول. إزاي نخرج التاريخ من التابوت؟ إزاي نحكم على الحضارة من المنظور الإنساني. إحنا زي ما قلت عايشين في كلاشيهات بتقول مصر الحضارة والأصالة وهي اللى علمت الإنسان كل حاجة. ومتخيلين المصري القديم ده ماشي طول النهار شبه علامة الاستفهام رافع إيده جنبه وماشي بالمسطرة. بس ياترى مصر عملت إيه في الإنسان؟ هل المصري قام ببناء حضارته وهو مبسوط ولا وهو مستعبد؟ هل هو كان بيرفع حجر الهرم لإنه مؤمن بفكرة ولا مضطر يقوم بيها؟
لو قدرنا نبص على تاريخنا من المنظور الإنساني حنقدر نفهم نفسنا دلوقتي ونثبت إذا كنا متحضرين فعلا بس الزمن جه علينا ولا إحنا أصلا من البداية لا في منا أمل ولا رجا وما نمشيش غير بالكرباج ودي النظرية اللى بكرهها جداً.
المصري اللي ابوه مصري
كان أملي يكون عندي وقت أدور في حكايات المصريين، في الحكايات الشخصية، أنا مش باحثة حاليا بس لو حد ايده لسة في صنعة التاريخ فحيبقى من الجميل إننا نلاقي اللي يفصل التاريخ عن المقابر والعمارة والمعابد ويحكي لنا المصري اللي ابوه مصري كان عامل إيه. وعلى فكرة مقبرة وح تي اللي اتكلم عنها خالد النبوي في الفيلم كان فيها لمحة إنسانية حلوة قوى.. مش هحرقها ليكم اتفرجوا على فيلم مقبرة سقارة على نتفليكس وانتم هتعرفوا.
لما نقدر نعمل ده حنقدر نفرق بين مفهوم الدولة والمواطن.نرفض فكرة نموت نموت ويحيا الوطن لإننا المفروض إننا احنا نفسنا الوطن. مصر مش المفروض تبقى التاريخ والمكان اللي بيحاوطنا، المفروض تبقى الظروف اللي بتخلينا نقدر نعيش بني آدمين كويسين. يعني الدولة اللى تبنى معبد كبير بس المواطن جعان ما تبقاش دولة متحضرة. الدولة اللي تعمل موكب للأموات والأحياء بيفقدوا إيمانهم بالحاضر والمستقبل والماضي محتاجة تعيد نظرتها لكل شيء. الخلاصة إحنا محتاجين نبص على تاريخنا كبني آدمين مش كحجارة ومومياوات عشان نعرف هو المصري القديم كان بيقوم الصبح يدعي لملوكه ويبني مقابرهم إللي حتضمن لهم الخلود بنفس راضية ولا كان بيقوم يسب لأمون ورع وبتاح واللي يتشددوا لهم مية ملة ودين ويصب عليهم لعناته اللي صايبانا لحد دلوقتي..واتمسوا برضه بالخير.