دليل النجاة من بؤس العالم بداية من تطوير كوبري محمد نجيب وحتى انتظار الحرب العالمية الثالثة
“العالم أصبح مكاناً سيئاً ونحن بحاجة إلى النجاة منه” ..أوافقك الرأي تماماً، مع تحفظي أنه أصبح، فهو كذلك منذ أن طُردنا من الملكوت الأعلى إلى هذا الكوكب البائس. ومن أول وهلة لبني آدم على الأرض وهم يقومون بأشياء “ما تصحش ابداً وما تطلعش من ناس محترمة”. لكن طالما أننا مشتركون في وضع لا نفهم كيفية الخروج منه فعلى الأقل علينا محاولة النجاة.
في البداية يا صديقي دعنا نفهم نوعية البؤس الواقعين فيه. فنحن لسنا أمام صراع معتاد بين الخير والشر، بل نحن في صراع حول تحديد ما هو خير وما هو شر، ومن ثم تحديد موقفنا منهم، ومعرفة وجهتنا بعد الفهم.
نوعية البؤس الذي نعيشه يمكن أن نطلق عليها “بؤس مركز”. فأنت لست مواطن صالح يقرأ جريدة تنقل خبراً حدث منذ أسبوع في قارة أخرى، لكنك شخص يُرمي الخبر “في عِبه” بمجرد أن تُلصق أنفك بهاتفك المحمول. وفجأة وخلال 60 ثانية يكون على عقلك أن يتعامل مع صورة أشلاء لطفل مقتول على بعد 6 ساعات من بلدك، وصورة عظام وعيون بارزة لطفل آخر مُجوَع. صورة تحتاج لأن تأخذ على الأقل 24 ساعة لتتألم وتبكي وتنهار وتشعر أن الحياة يجب أن تتوقف، لكنك لا تلبث أن ترمش بعينيك حتى تباغتك صورة من مطعم أسماك يقدم طبق من القشريات الضخمة ب18,000 جنيه فقط. ثم إعلان كومباند يطلب منك أن تشتري وحدة لمستقبلك، مستقبلك الذي لا تعرف إذا كان سيأتي أم لا، بينما أنت لا تستطيع ضمان يومك، خاصة بعد استلام فاتورة السوبر ماركت لتجد أنك ستدفع مبلغا أكثر من المعتاد بالرغم أن قائمة طلباتك أصبحت أكثر اختصارا مما سبق.
نحن في بؤس مركز لأننا نتعامل مع أطنان من المعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مدة الواحدة منها ثواني معدودة. أطنان من الأفكار والثقافات والكلمات. وعلينا في أقل من 60 ثانية ان نُكون حولها مشاعر، وإدراك، ورأي، ومواقف، وتصرف. وإلا يفوتنا الخبر ونحن ساكنين.
أعترف يا صديقي أن التعامل مع هذا البؤس المركز شيء مرهق للغاية بل ومستنزف. لكن النصائح التالية قد تكون مفيدة بعض الشيء
توقف عن الأسئلة المنطقية
مشكلة البؤس المركز الذي نعيشه أنه يجلعنا نُطلق اسئلة “بدائية” من المفترض أن تطورنا الحضاري قد تعداها.مثلاً؛ عندما تمر تحت أي كوبري حديث الإنشاء في الأسكندرية، وتتعجب قائلاً: هو مافيش تخطيط؟. أنت تسأل لأن من المفترض “إن يكون فيه”..لكن ياسيدي عليك أن تعلم أنه ” لا مافيش.. والفاتحة مش حافظينها. أنت الآن أمام كوبري يمكن أن يجعلك تبدأ من حيث انتهيت سواء في الطريق المعتاد أو طريق الحياة، وتضييع وقتك في التساؤل هو إهدار للعمر. وكل ما عليك إما التصديق بانها ماشية بالبركة، ومن ثم محاولة إيجاد بركتك الشخصية التي تساعدك على العبور بأقل قدر من الخسائر.
بعد ذلك سوف تطرح اسئلة منطقية أخرى، منها: إيه اللى بيحصل في العالم ده ياربي؟ كيف يحدث ذلك أمام الدول الكبرى؟ ألن يأخذ أحد موقف؟ أين ضمير العالم؟ أين الأمم المتحدة؟ لماذا لا يتحرك العرب؟ أليس فيكم رجل رشيد. وبنفس الطريقة أقولها .. لا يا سيدي ما فيش؟ ورينا آخر ما عندك، فلتعلم أنه لا جدوى من التساؤل: لماذا يفعل أعدائنا ذلك؟. لأن الإجابة ببساطة تكمن في كلمة أنهم “أعدائنا”، جرب أن تكون عدوا لأحدهم ومعك قوة مطلقة، في هذه الحالة سوف يٌسأل عنك و لن تأبه بأن تجيب.
لا تكن متشائماً
من دواعي النجاة في هذا الوضع ألا تكون متشائما، فلا تقل لنفسك “خلاص باظت”.. وأنه لم يعد هناك أمل وانها اطربقت على دماغنا. كل هذا تشاؤم في غير محله. لأن “باظت” الموجودة في عقلك ربما لن تكون 10% من البوظان الحقيقي؛ والذي يظهر عادة بعد انتهاء الاحداث. وهذه ليست سوداوية؛ لكني أذكرك أننا نحكم على الجزء الذي نراه فقط معتقدين أنه المشهد الكامل، والحقيقة أنه؛ انا، وانت، وكل المربوطين في ساقية العالم غير مقدر لهم إلا رؤية جزء صغير مما يحدث، بل غير مقدر لهم فهم الكثير، فكل الافتراضات التي نفكر فيها مبنية على معلومات مسربة لنا بطريقة تجعلنا لا نرى غيرها. فإذا أردنا أن نحدد موقفنا من التفاؤل والتشاؤم فعلى كل افراد العالم أن يتجمعوا في “فَسحاية” كبيرة في الكوكب ويطلبوا أن يستلموا المستندات الحقيقية لكي يعرفوا هل من المجدي الاستمرار في هذا المكان أم لا.
لا تكن متفائلاَ
عندما تتصارع الأحداث وتجد أنك داخل أجواء مشحونة ووتتلقى كلمات طنانة حول الاستعداد والقوة، وتجد أن الجميع يدفعك للتكلم وعدم الصمت، وتصبح هناك أحاديث طويلة حول والدور والأداء والموقف والشجاعة والوقوف بجانب الآخر، فلا تعتقد أن المعركة على الأبواب وأنك مستعد لها وأن النصر قادم. عادة تحدث المعارك والأحداث الكبرى في يوم هادئ جداَ تبدأه بربط حذائك والتفكير في وجبة غدائك دون استعداد لأي شيء. كل الشحنة السابقة كانت لشيء ولمعركة- صدقني- انك لم ولن تعلم عنها شيئا.
إذا يا صديقي وبالرغم من نصائحي تلك فأنا لا أضمن لك النجاة الكلية، لكن الفهم أفضل من الوهم.. فلنحاول أن لا نكون المشهد المكرر في التاريخ، والخطأ الذي يحدث دائما. قد لا نحقق الكثير من الانتصارات، لكنها وسيلة لمعرفة ما الذي يمكننا الحصول عليه أو التنازل عنه. و تكون طريقة للحفاظ على بطارية العقل قبل أن تجده “يفط” من جمجمتك، ويسير بنصف بيجامة ونياشين عسكرية على الصدر ويجوب الطرقات قائلا “أنا حسحس وحسحس أنا”..ونسأل الله السلامة.
\