تُعرف المناهدة في معجم البني آدمين إنها محاولة إقناع طفل إن اللبن مهم لبناء العضلات، بينما الطفل عايز شكولاتة لبناء لحظة سعادة عابرة، ودي طبيعة المعركة مع تامر آمين وهي المعركة التي ينطبق عليها وصف “الرمي في الفاضي” ، وفي لحظة أصبح هدف الجميع الدفاع عن دور التاريخ والجغرافيا، وتقريبا اللي انخرطوا في هذه المعركة هم العارفين والمعترفين بأهمية العلم والمعرفة، بينما لو سألت أولياء الأمور اللي حياتهم كانت عبارة عن صراع من أجل “تعليم” الأولاد فهما مش مهتمين بمدى تأثير التاريخ والجغرافيا في الحياة لكن بمدى تأثيرهم في “المجموع الكلي”.. وده الحقيقة اللي خايفين نشوفها سواء مثقفين أو غير مثقفين، حقيقة الفجوة الكبيرة بين مفهوم العلم والمعرفة وبين ما يحدث على أرض الواقع واللي هو رحلة الحصول على شهادة من أجل “سوق العمل”… وهنا يظهر سؤال قد يبدو منطقي ألا وهو “احنا بنقنع مين أصلا بأهمية تدريس التاريخ والجغرافيا والفلسفة”؟؟؟؟
على مدار سنوات طويلة ارتبط المصريين بالعلم على إنه شهادة المستقبل، هي خلاص أبناء الفلاح من العزق والحرث للذهاب للمدينة والحصول على مركز مرموق، طريقة تعويض الصنايعي والعامل عن كل المستقبل غير المضمون اللي عاشه بإبن يحصل على وظيفة تضمن له مستقبله، وطريق النجاة لأبن الطبقة المتوسطة علشان لو ماعهوش فلوس يبقى عنده شهادة.. أما للبنات فهو ضمان من غدر الزوج والأيام.. لكن لو سألت الجميع هل ولادهم حصلوا على المعرفة؟ هل العلم غَير قدرتهم على رؤية الحياة ؟ فالإجابات المثبتة بواقع أحداث التاريخ والجغرافيا تدل على إننا بقالنا ملايين السنين بندور في نفس دايرة الفكر نفسه من غير حركة واحدة لقدام، حركتنا شبه حركة أبو النُطيط اللي بيخبط في السقف ويرد تاني.
وده يخلينا نقف قدام سؤال آخر وهو ايه الفرق بين العلم/المعرفة والشهادة، في رأيي إن العلم لا يهدف لاثبات انك قادر على العمل في مجال معين، لكن الهدف منه هو تطوير قدرة الانسان على رؤية العالم، العلم بيساعد الإنسان على الخروج برة فكره الشخصي وفكر العيلة وفكر القبيلة علشان يكون وجهة نظر أوسع عن الحياة والكون. من هنا يكون له طريقة تساعده على الخروج من أزماته سواء الشخصية أو العملية، العلم طريقة تفكير في الذات وفي الآخر، تفكير في كيف تجري الأمور وكيف تحدث، وكل ما زادت حصيلة الانسان من المعارف المختلفة والعلوم والتجارب زاد علمه بطبيعة الحياة وزادت قدرته على التعامل معاها بشكل اهدى وأكثر عقلانية، وبرضه زادت قدرات دفاعه عن النفس في عالم العوء.
وهنا يلمح في بالي سؤال تالت هل لو سألنا الناس إنتم عايزين ولادكم يكون عندهم معرفة ولا شهادة هيكون ردهم إيه؟ أعتقد إن في وضع اقتصادي واجتماعي بائس زي وضعنا الاجابة هتروح “احنا عايزين اللى يأكل مم”.
وبالرغم إن الدول اللى اهتمت بدراسة تاريخها وفلسفتها وعلوم الاجتماع والمنطق والانسان كانت أقدر على إدارة مواردها اقتصاديا وعلميا إلا إن محاولات المصريين الدايمة للنجاة من الوضع “الأكثر خراءا” للوضع “الخرائي بس” عمرها ما بتسمح إننا نجاوب على الاسئلة المهمة أو حتى نسألها.
ولأن الفلسفة والتاريخ والعلوم الإنسانية هي اللى بتعرف الإنسان عن نفسه لكن ماذا تفعل كل هذه الأشياء مع إنسان مش قادر ياخد خمس دقايق يقعد مع نفسه لأن الواقع فارض عليه إنه يفضل تور متغمي طول النهار للحصول على احتياجاته الأساسية، واقع بيخلينا بنحاول ننجو واللى بيحاول ينجو مش بيدور هو ماسك في قشة ولا خشبة، هو عايز بس حاجة تخلي راسه على وش المية.
لكن بما ان الاستاذ تامر من الفئة اللى نجت -الله اعلم ليه-، فخليني في النهاية أختم واقول ان الشهادة احيانا هي طريقة للوجاهة الاجتماعية والحصول على وظيفة مرموقة وجوازة يرضى عنها الجميع، لكن العلم والمعرفة هما الطريقة اللى بتعلمنا اننا نفكر بالعقل ونقعد على لامؤاخذة المؤخرة، لكن غياب المنطق والفلسفة ودروس التاريخ سمحوا لمن يفكر بمؤخرته إن يجلس برأسه أمام الكاميرا ويقولنا نعمل إيه ونتعلم إيه العارف اللي دارس تاريخ وفلسفة قاعد يقنع الباقي زي المغني اللى بيغني لناس من غير ودان، إنه السكلانس الذي جعل العبث يعبث بنا أو كما قال شاعر السيرة الهلالية “بيت الهفية عالي البنيان”